(阿汉对照第128讲)
一卅柯 · 韩文成 编译
خطبة الجمعة بتاريخ 5 من جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 29 / 5 / 2009م
伊斯兰纪元1430年6月5 日 / 西元2009年5月29日主麻演讲
الزُّهْــدُ وَالْقَنَاعَـةُ
淡泊知足
الحمدُ للهِ الواحدِ القهَّارِ، مُكَوِّرِ النَّهارِ على الليلِ ومُكَوِّرِ اللَّيلِ على النَّهارِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له عالـمُ الجَهْرِ والإِسرارِ، أيقظَ مَن شاءَ مِن عبادهِ وزَهَّدَهم في هذهِ الدَّارِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه المصطفَى المختارُ، رَغِبَ عَن هذِهِ الحياةِ وَفَرَّ إلى العزيزِ الغفَّارِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلَى آلهِ وصحبِهِ السادةِ الأبرارِ، أُوليِ التَّفَكُّرِ والأَبصارِ، وأصحابِ القناعةِ والاعْتبارِ، وعلَى تابِعيهِم بإحسانٍ ما تَعَاقَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ.
أمَّا بعدُ:
فأُوصِيكم – عِبادَ اللهِ – وَنَفْسِي بتقوَى اللهِ حَقَّ تَقْوَاهُ، واستَعِدُّوا بالأعمالِ الصَّالحةِ ليِومِ لُقْياهُ، فَطُوبَى لِمَنْ خافَ مِـنَ الجليلِ، وَعَمِـلَ بالتنزيلِ، وقَنَـعَ مِنْ دُنْياهُ بالقليلِ، واسـتَعدَّ لِيَوْمِ الرَّحيلِ، إذِ الوقوفُ فيه طويلٌ، والحسابُ فيه ثقيلٌ، يقولُ سبحانَه:} وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ { } البقرة :281{.
فَلَن يَصحَبَ الإنسـانَ مِن قبلِ موتِهِ ولا بعـدَهُ إلا الذي كانَ يَعْمَـــلُ
أَلا إِنمـا الإنســـــــانُ ضَيـفٌ لأهلِهِ يُقيمُ قليـلاً بينـهُم ثُم يَرْحَــــلُ
مَعاشِرَ المسلمينَ:
إنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ تعالَى في هذهِ الدَّارِ، أَلاَّ يَقِرَّ لها قَرارٌ، دارُ شقاءٍ وتَعَبٍ، وَعَناءٍ وَنَصَبٍ، مَتاعُها قليلٌ، وكثيرُها ضئيلٌ، حلالُها حسابٌ، وحَرامُها عِقابٌ، لا تَصفُو لِشارِبٍ، ولا يَبقَى لها صاحِبٌ، مَن أحبَّها أذَلَّتْهُ، ومَن تَبِعَها أعْمَته.
هِيَ الدَّارُ دارُ الأذَى والقَــــــذَى ودَارُ الفَنــــــاءِ ودَارُ الغِيَــــــــــــرْ
فلـو نِلْتَهَــا بِحذافِيرِهــــــــــــــا لَمُتَّ ولم تَقْضِ مِنهـــا الوَطَـــرْ
لو تَفَكرْتُم – يَرعاكُمُ الله – فِيمَنْ حولَكم مِنَ البَشَرِ، لمَاَ وَجَدْتم أَحَداً سالِماً مِنَ المصائِبِ والأحزانِ والكَدَرِ، إلا مَن شاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فواحِدٌ مُصابٌ بالأسْقامِ والعِلَلِ، وآخرُ مُصابٌ بِعُقُوقِ الوَلدِ، وهذا مُبتلًى بِسُوءِ خُلُقِ زوجتِهِ، وهنا تاجرٌ قد خَسِرَ تجارتَهُ، وهناك فقيرٌ يشكو سُوءَ حالتِهِ، وهذا يَجِدُّ ويجتهدُ ولا ينالُ مُناهُ، وذاك يَشقَى ويتعبُ ولا يُحَصِّلُ مُبتغَاهُ.
جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدُهـا صَفْواً مِنَ الأقذارِ والأكْـــــــــدارِ
ومَكَلِّفُ الأيامِ ضِـــــدَّ طِباعِها مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَـــــذْوَةَ نارِ
هكذا هِيَ الدنيا، وهكذا العيشُ فيها، ليس فيها راحةٌ أبديَّةٌ، ولا سعادةٌ حقيقيَّةٌ، إنما الراحةُ والنعيمُ المقيمُ، والسعادةُ والفوزُ العظيمُ، لمن رَحِمَهُ اللهُ فَزَحْزَحَهُ عَنِ الجحيم،} فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ{ }آل عمران:185{، سُئِلَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ: متى الراحةُ يا أبا عَبدِ اللهِ؟ فقال:" عِندَما نضعُ أوَّلَ رِجْلٍ في الجنةِ ".
هكذا فَهِمَ سَلَفُنا الصالحُ الدنيا، وهكذا وَعَواْ طبيعَتهَا وعرفوا كُنْههَا، ولذلك تجافَوْا عنها، ولم يغتَرُّوا بها وبزُخْرُفِها، بل كانوا فيها غُرباءَ مسافرينَ، لِوَصَيَّةِ نبيهِم وقُدْوَتِهم r مُمْتَثلين:" كُنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ"[أخرجه البخاري]، لقد كانت حياتُه r تطبيقاً عَمَلياً لقوله، كان مَثلاً أعلَى في الزُّهدِ والقَناعةِ، وقُدوةً عظيمةً في الإقبالِ على الطاعةِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ t قال:نام رسـولُ الله r على الحصيرِ فقام وقَـدْ أثَّر في جَنبهِ، فَقُلنا يا رسـولَ اللهِ لو اتخذنا لك وِطاءً، فقال:" ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ اسـتَظَلَّ تحتَ شجرةٍ ثم راح وتَرَكها" [أخرجه الترمذي]، وعَن عائشةَ رضيَ الله عنها أنها قالت لعُروَةَ:" ابنَ أختي إنْ كنا لننظُرُ إلى الهلالِ ثُم الهلالِ، ثلاثَةَ أَهِلَّةٍ في شـهرين وما أُوقِدَتْ في أبياتِ رسـولِ اللهِ نارٌ"، فقلتُ: يا خالةُ ما كان يُعيِشُكُم؟ قالت:" الأسودانِ التمرُ والماءُ، إلا أنّه قد كان لرسولِ الله r جيرانٌ من الأنصارِ، وكانت لهم منَائِحُ، وكانوا يمنحونَ رسولَ الله r مِن ألبانهم فَيَسْقِينا"[ أخرجه البخاري].
وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت:"لقد مات رسولُ الله وما شَــــــــــــبِعَ من خُبزٍ وزَيتٍ في يومٍ واحدٍ مرتين" [ أخرجه مسلم]، وفي الصحيحين عن أبي ذَرٍّ t قال: قال رسولُ اللهِ r:"ما يَسُرُّني أنّ عِندي مثلَ أُحُدٍ هذا ذَهَباً، تمضي عليَّ ثالثةٌ وعندي منه دينارٌ، إلا شيئاً أرصده لِدَيْنٍ، إلا أنْ أقولَ به في عبادِ اللهِ هكذا وهكذا وهكذا"، عن يمينهِ وعن شمالهِ ومِن خِلفْه، ثم مشىَ فقال: "إن الأكثرينَ هم الأقلُّونَ يومَ القيامةِ، إلا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا ـ عَن يمينِهِ وعن شمالِهِ ومِن خَلفهِ ـ وقليلٌ ما هُم"، هـذا ما عاش عليه رسولُ الله، وهذا ما مات عليه، فعن عمرِو بنِ الحارثِ قال:"ما تَرَك رسولُ اللهِ عِندَ موتِهِ درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أَمَةً ولا شيئاً إلا بغْلَتَهُ البيضاءَ وسلاحَهُ، وأرضاً جعلها صَدقـةً" [ أخرجه البخاري].
واعلموا أتباعَ سيِّدِ المرسلين أنَّ علَى هذا النهجِ المتينِ، سـار الصحابةُ ومَن بعدَهم مِنَ التابعين، فقد كان عمرُ بنُ الخطابِ t وهو خليفةٌ يخطبُ الناسَ، عليه إزارٌ غليظٌ فيه ثِنْتَا عَشْرَةَ رُقْعةً، فتقولُ له ابنتُهُ حفصةُ رضي الله عنها: يا أميرَ المؤمنينَ لو اكْتَسَيْتَ ثوباً هُو أَلْيَنُ مِن ثوبِكَ، وأكلْتَ طعاماً هو أطْيبُ من طَعامِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ اللهُ مِنَ الرزقِ، وأكثرَ مِنَ الخيرِ، فقال: "إني سَأُخاصِمُكِ إلى نفسِكِ، أمَا تَذْكُرينَ ما كان رسولُ الله r يَلقَى من شِدَّةِ العيشِ، وكذا أبو بكرٍ"، فما زال يُذَكِّرُها حتّى أبكاها، ثم قال: " أمَا واللهِ لأُشارِكَنَّهُما في مِثلِ عَيشِـهِما الشـديدِ، لَعلِّي أُدْرِكُ عيشَهُما الرَّخِيَّ"، يقول الحسنُ البَصرِيُّ رَحِمه الله:"أدرَكْتُ أقواماً لا يفرحونَ بشيءٍ مِنَ الدنيا أُوتُوهُ، ولا يَأسفونَ على شيءٍ منها فَاتَهم، ولقد كانت الدنيا أهونَ عليهم مِنَ التُرابِ الذي يمشونَ عليه".
إخوةَ الإسلامِ:
إنَّ ما سمعْتُم به شيءٌ نَزْرٌ، مما رواهُ لنا أهلُ الحديثِ والأثرِ، وأصحابُ التراجمِ والسِّيَرِ، لقد كانوا مع شِدَّةِ أحوالِهم، وعظيمِ فَقْرِهِم، أهْلَ قَناعةٍ وسعادةٍ، وأهلَ رِضاً عَنِ اللهِ سبحانه، إنها جنةُ الإيمانِ، والأُنْسِ بالرحيمِ الرحمنِ، يقولُ إبراهيمُ بنُ أدهمَ رحِمَهُ اللهُ:" إننا لَفيِ سعادةٍ لو عَلِمَ بها الملوكُ وأبناءُ الملوكِ لجالَدُونا عليها بالسُّيوفِ"، ثُمَّ لْنَعْلَمْ أنَّ الزُّهدَ لا يعني التَّقتيرَ علَى النفسِ، وتحميلَها ما لا تَحتمِلُ من الضِّيقِ والبُؤسِ، بل للمرءِ أن يأخذَ ما يَكفيهِ مِنَ المبُاحاتِ لكنْ دُونَ إسرافٍ، أَوْ أنْ تَستَحْوِذَ على قلبِه فتكونَ أكبرَ هَمِّهِ، ويبتعدَ عَنِ المُحرَّماتِ والـمُشْتَبِهاتِ، ويتزَوّدَ بالصالحاتِ ليومِ الكُرُبات، فلا يكونُ بذلكَ قَدْ خرجَ عن الزُّهدِ المرادِ، يقولُ اللهُ سبحانَه: } وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { }القصص: 77{، قال ابنُ القَيِّم – رحمه الله -: " الزهــدُ فَراغُ القلبِ مِنَ الدنيا، لا فراغُ اليَدِ منها".
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
我讲这些,祈望主饶恕我们大家,向主忏悔吧!主是至恕至慈的。
1条评论